top of page

I

يتهورون في كل حفل زفاف

سائقون ينقلون العرسان الى

بيت القبور 

 

صيفا وخريفا، شتاءً وربيعا، لا تكف فيها مزامير السيارات لمواكب الأعراس عن إعلان شياع الفرحة والبهجة بالعريسين، لكن التعبير عنه بات يذهب شبابنا احترامهم لأنفسهم ولغيرهم، فلا يسألون لا عن حي ولا ميت وقد تخرج عن نطاقها المعتاد بسلوكات انتحارية من تجاوزات ومناورات خطيرة في وسط موكب مهيب، يتكون من أرمادة من السيارات قد تترتب عنها أزمة سير خانقة، وهذا كله لجلب الانتباه ليس إلا، والأخطر أنه وفي في وسط التهليلات وعن غفلة منهم، قد يتحول الفرح إلى قرح تذهب ضحيته أرواح بريئة لا حول لها ولا قوة.

سلوكات متهورة تجعل العرس في خبر كان

و لأن مواكب الأعراس هي فرصة الشباب لإطلاق العنان لأنفسهم وإخراج كل مكبوتاتهم يستغلون الوضع بعرض عضلاتهم على الجميع والتباهي بسياقة سياراتهم، فيخلقون بذلك جوا أشبه بالسباق أو "الرالي"، وطريقهم أشبه بمضمار "الفورمولا وان" الشهيرة، وكأن كل واحد منهم البطل "شوماخر"، وعن هذا يحدثنا ناصر 28 سنة الذي التقينا به بحسين داي حيث عبر عن رأيه بكل صراحة، وقال أنه معارض لكل تصرفات أقرانه من الشباب المتهورة في موكب العروس، وأنها مبالغ فيها وإفراط في الفرحة وتعد مجرد مسرحيات للتباهي فقط ..إلى ذلك ذهب مراد 30 سنة للقول أنه كثير ما تكرر مشاهد الشباب وهم يتسابقون بسياراتهم، وما يزيد الطينة بلة هي قيادتهم الجنونية وسرعتهم الفائقة إضافة إلى التجاوزات الخطيرة التي يقومون بها، وهم مترنحين من ذات اليمين وذات الشمال حتى تتعالى صيحاتهم وتصل هستيريتهم إلى حد إتخاذهم لنوافذ السيارات مقاعدا لهم، وهم يلوحون بأيديهم، وعلى إثر هذا وجب علينا التحذير وأخذ الحيطة من حوادث مواكب الأعراس التي تحولها هذه المراسم التي لا علاقة لها بالتقاليد إلى مأتم، فيتحول بذلك الفرح إلى قرح، وفي هذا تقول "خالتي عقيلة" التي التقينا بها أمام محطة الترامواي تنتظر في هذا الأخير أن ما يحدث في موكب العروس من خروجها من بيت أهلها إلى وصولها البيت الزوجية هي خروج عن كل عادة وتقليد في مجتمعنا، فبالأمس وليس بالبعيد كانت تتسم ببعض من الهدوء والاحترام للناس والمارة ولم نكن بحاجة لهذا الكم الهائل من السيارات الذي يشكل موكب الأفراح وللألعاب النارية من مفرقعات وصولا إلى "الفيميجان" التي تجعل بين الحاضر والغائب عن هذا العرس لا يفرق بينها وبين التظاهرات الرياضية في الشوارع أو الملاعب  .

و يبقى هوس الشباب في خطف الفرحة والبهجة وسط مشاكلهم وواقع مجتمعهم في أي مناسبة صغيرة كانت أم كبيرة، أقرباء أو أصدقاء وحتى غرباء، يؤتى لهم تأييد ما يحدث في مواكب الأعراس، كما هو الحال عند فوضيل 23 سنة الذي يقول أن موكب الأعراس بلا حماس وصخب بفعل الألعاب النارية لا يستهويه حضوره، فهذه الأجواء هي التي تضفي طابع الفرحة لدى الناس وخاصة الشباب.

جذب انتباه الفتيات هدفهم

و لا مبرر لهذه السلوكات المتهورة من طرف شبابنا سوى استهداف الفتيات، ومن أجل هذا يعهدون للاستعداد لهذا الحدث الجلل بالنسبة إليهم، بداية من السيارة فيدللونها بغسلها وتنظيفها ثم تزيينها بالشرائط بمختلف الألوان حتى لا نستطيع التفريق بينها وبين سيارة العروس، ولا يتوانون أيضا عن كراء السيارات الفخمة، وإنفاق آخر فلس على هندامهم ليكونوا في الموعد في النهاية، حيث تقول نبيلة 25 سنة في هذا الصدد، أنها تراهم مصطفين في طوابير ينتظرون خروج الفتيات لاصطيادهن، حيث يفتحون ذراعيهم وأبواب سياراتهم لهن ويغلقونها في وجوه النسوة والعجائز أو اللواتي لا تلبين أذواقهم، فيجلسوهن في الوراء ليتسنى لهم إشباع أنظارهم بجمالهن، وكثيرا ما يحاولون جذبهن بأغاني رومانسية ومحاولة خطف أرقام هواتفهن.

و لكن لا يؤخذ هذا الأمر على الشباب فقط، بل حتى الفتيات بتبرجهن الزائد وتعريهن الفاضح، حيث يقمن بتهييج الشباب وفتح المجال لهم وانتظار أي إشارة منهم، وفي هذا الإطار يقول جمال 23 سنة الذي التقينا بها في أحد المقاهي في حسين داي، أنه كان في أحد مواكب الأعراس في سيارة صديقه ونصدم من تصرفات بعض الفتيات اللواتي لم يكففن عن الغناء وإطلاق الزغاريد والتصفيق والضحك والقهقهة، وأكثر ما أدهشه قيامهن في الأخير بتحسين زينتهن قبل الوصول إلى بيت العريس،أما فؤاد 29 سنة، فقد سرد لنا حادثة جرت معه وهو في موكب عرس لأحد جيرانه، حيث يقول أنه ما إن دخلت إحدى الفتيات إلى السيارة حتى أجهشت بالبكاء، ليس حزنا على العروس لكن خوفا من رؤية أحد لها لأنها كانت شبه عارية.

هي إذن تصرفات دخيلة على مواكب الأعراس، أين لا يكون مكان لإحترام أحد، فتتسبب في الفوضى من حيث إزعاج الغير وأزمة مرور عارمة، ناهيك عن الحوادث التي يذهب ضحيتها أبرياء.

فوضى مواكب الأعراس

و بات موكب العرس من شروط اكتمال الزواج في مجتمعنا، حيث لا يمنع أن يكون بيتا العروسين بمحاذاة بعضهما، وحتى يتم هذا الأمر يلزم طابور هائل من السيارات يصل إلى ثلاثين سيارة حتى لا نقول أكثر، وهو ما يسبب أزمة مرور خانقة وإغلاق أهم الطرق الرئيسية، خاصة إذا تزامن مع موكبين أو ثلاثة مواكب أعراس في آن واحد، وعنها يقول سفيان 35 سنة أنه غالبا ما يلفت انتباهه خلال قيادته لسيارته الاكتظاظ والفوضى الناجمة عن مواكب الأعراس في الطرقات، ويضيف قائلا: "إن وجدت نفسي في وسط أحد المواكب أصاب بقلق شديد ويرتفع ضغطي، والمشكلة أنه أصبحت جميع الأفراح الجزائرية سواء كانت أعراسا أو ختانا للأطفال لا تخلو من مواكب السيارات غير المنتهية، فلا بد من تنظيم حركة مرورها وذلك لتفادي ما لا تحمد عقباه".

و أصبحت فوضى مواكب الأعراس تثير استياء الجميع، حيث أضحى إحضار العروس مناسبة شبيهة بالمظاهرات الوطنية والاحتفالات الرياضية، فأصبحت تشكل في كثير من الأحيان كابوسا حقيقيا لدى الكثيرين بسبب الإزعاج والضوضاء غير مجدية على إثر هذه الأفراح، وذلك من جراء استعمال الموسيقى والأغاني الصاخبة وتعالي صيحات الرجال وزغاريد النساء، وأصوات مزامير السيارات وهلع المفرقعات وصولا إلى دوي طلقات البارود في بعض المناطق، إضافة إلى "الزرنة"، وهذا كله يكون دون احترام لا للجار ولا القريب أو البعيد حتى في حال تزامن هذا العرس مع مرض، أو حالة وفاة أحد الأقرباء أو الجيران أو غيرها، وفي هذا يقول أمين 37 سنة الذي صادفناه أمام حديقة التجارب برويسو "ذهبت لحضور جنازة أحد أصدقائي، لكني فوجئت بوصول موكب عرس وإذا بالزرنة أمام المنزل الذي حدثت فيها الوفاة وهو ما اضطرني إلى ركن سيارتي في مكان بعيد مستعينا بالمشي، وكم كانت مفاجأتي كبيرة بعدما عرفت أنهم جيرانهم، وبسبب عدم الاحترام لروح الميت والجيران على حد سواء، حدثت مشاداة كلامية كادت أن تتحول إلى شجارات لولا تدخل بعض العقلاء لفض الموضوع.

إذن هي مواكب الأعراس التي لا تنتهي، يعبر فيها الشباب بمختلف الطرق والوسائل عن فرحتهم، لكن وجب تفادي كل تهور غير مبرر قد يؤدي إلى ما لم يكن في الحسبان.

19/11/2014

Please reload

bottom of page